معالجة البي بي سي وورلد نيوز لحوادث الطيران المصري عام 2016

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس مساعد بقسم الإذاعة والتلفزيون بکلية الإعلام – جامعة القاهرة

المستخلص

تتحدد مشکلة هذه الدراسة في رصد وتحليل وتفسير ملامح وأساليب واتجاهات المعالجة الإخبارية في قناة "البي بي سي وورلد نيوز" BBC World News لحادثتي اختطاف وسقوط الطائرتين المصريتين، وذلک في ضوء السياق الثقافي العام لعمل القناة.   
نتائج الدراسة:
استعانت معالجة "البي بي سي" لحادثة سقوط الطائرة المصرية بالعديد من أدوات التأطير من أجل التأکيد على الأفکار والمعاني التي يحاول خطابها الإخباري إرسائها لدى المشاهدين. ولعبت الاختيارات المعجمية التي اعتمدت عليها من الألفاظ والکلمات دورا محوريا في إبراز المعاني المقصودة من الخطاب، وخاصة عندما نتفحص اختيار المراسلين والمذيعين للکلمات والتوصيفات في إطار الحديث عن الجانب الفرنسي في مقابل الجانب المصري.
تم وصف تصريحات المسؤوليين الفرنسين بـ "الدقيقة"، فيما وصفت التصريحات المصرية بـ "الحذرة"، کما تم الحديث عن الوضع في مطار شارل ديجول باستخدام کلمات مثل: "الأمن المشدد"، "مراجعة الأمن بانتظام"، "حضور أمني مکثف"، "هدوء وترقب"، "عمليات فحص شاملة"، "موقف عاطفي"، "موقف صعب"، "أحاسيس بالحزن". فيما تم وصف الأوضاع في مطار القاهرة بکلمات مثل: "مأساة کبيرة"، "لحظة ماساوية"، "إحباط شديد"، "تساؤلات غير مجابة"، "زحام"، "توتر وغضب عارم"، "مشاعر مختلطة: ألم وأسى وإحباط ويأس"، "قصص مؤلمة للغاية".
ونلاحظ استخدام الکلمات المخففة عند الحديث عن الوضع الإنساني في المطار الفرنسي، في مقابل کلمات محملة بکثير من الدلالات السلبية لوصف الموقف في مطار القاهرة. کما حرصت القناة على التأکيد على استخدام ألفاظ مثل "مساعدة" و "تقديم مشورة" عند الحديث على مشارکة المحققين الفرنسيين في عمليات البحث والتقصي في مصر، في إشارة إلى تفوق الجانب الفرنسي في هذا المجال وإبعاد المسئولية عنه.
وظهرت فکرة المقارنة بين الجانب الفرنسي والمصري أيضا في الکلمات التي استخدمت في التعليقات على التصريحات من الجانبين، فبينما تم التأکيد على کلمات مثل: "التضامن الکامل"، "معرفة الحقيقة الکاملة"، "طمأنة العائلات"، "الترکيز الأساسي على الأمن"، "الحرص الشديد على إيجاد الحقيقة" للحديث عن الجانب الفرنسي، تکررت کلمات مثل: "سياسة دفاعية مذهلة"، "بطء شديد"، "احتواء التکهنات"، "غياب الإجابات"، "نقص ضخم في المعلومات" للتعليق على الموقف المصري. وفيما يتعلق بالعنوان الرئيسي للتغطية، فقد کان "اختفاء الطائرة المصرية" إلى أن أعلن الرئيس الفرنسي عن احتمالية أن تکون الطائرة قد سقطت، بالإضافة إلى التصريحات اليونانية حول تسجيل حرکة لانحراف الطائرة على الرادار فأصبح العنوان "تحطم الطائرة المصرية".
وکان للتعبيرات الاستعارية هي الأخرى دورها في التأکيد على المعاني البارزة في الخطاب، فاستخدمت عبارات مثل: "معرکة الحکومة المصرية من أجل السيطرة على تدفق التکهنات العالمية"، "آخر الأحداث التراجيدية في مسلسل الحوادث في مصر"، "رجال الشرطة المدججين بالسلاح في مطار شارل ديجول". کما تم توظيف التعبيرات المجازية بشکل کبير لوصف تداعيات الحادث على قطاع السياحة والطيران في مصر، فاستخدمت عبارات مثل: "شرم الشيخ مدينة أشباح" في إشارة إلى تراجع أعداد السائحين في المدينة، و"السياحة لا تتراجع فحسب بل تنهار"، "تلقت السياحة اليوم ضربة قاسية"، "اليوم يعد إضافة جديدة للبؤس الذي يعانيه العاملون في السياحة والطيران"، "سقوط الطائرة يسبب دمارا أکبر في صناعة الطيران التي تکافح من أجل البقاء"، "قطاع السياحة أصبح هشا"، وغيرها من العبارات التي تؤکد على أن الحادث يمثل کارثة بالنسبة لقطاع السياحة والطيران في مصر والاقتصاد بصفة عامة.
وفيما يتعلق بأسلوب السرد، فقد اعتمدت التغطية على الربط بين رسائل المراسلين من مطاري شارل ديجول والقاهرة، والحوارات التي تدار في الاستوديو مع خبراء الطيران، وجميعهم بريطانيون، بالإضافة إلى التقاير التي يعدها المراسلون في نهاية کل فترة إخبارية ممتدة لتلخيص التطورات الأخيرة للحدث. واللافت هنا في مجال البناء الإخباري للتغطية أن القناة عمدت إلى التأکيد على المعاني المراد توصيلها من الخطاب من خلال ترتيب عناصر السرد الإخباري بشکل محدد بهدف عقد مقارنات بين ما يحدث على الجانبين المصري والفرنسي، فدائما ما أتى الحديث عن الأوضاع السلبية في مطار القاهرة و"مأساة" الأهالي بعد الإشارة إلى جهود الحکومة الفرنسية للتوصل للحقيقة ورعاية العائلات، کما وردت التعليقات الناقدة لتصريحات المسؤولين المصريين بعد الحديث عن عمليات تشديد الأمن والتحقيقات الواسعة في المطار الفرنسي.
وکان استخدام الصور واللقطات معبرا تماما عن معاني مشابهة للأفکار السابقة، فکان الترکيز على استخدام صور ثابتة ولقطات لأهالي الضحايا المصريين في مطار القاهرة، وحالات البکاء والحزن والألم. وظهرت لقطة التجمهر في مطار القاهرة دائما في خلفية مراسلة القناة، إلى جانب استخدام صورة ثابتة لشعار شرکة مصر للطيران بحجم کبير في خلفية الاستوديو وضعت طوال فترة التغطية بجانب صورة لسيدة مصرية تظهر عليها علامات الحزن والأسى، وبالطبع أيضا تم استخدام صور الضحايا ولقطات سابقة لهم في معرض الحديث عن حياتهم الشخصية والمهنية من أجل إضفاء الطابع الإنساني والدرامي على التغطية، والتأکيد على فکرة أن المأساة مصرية والمسؤول عنها هو الجانب المصري وتداعياتها تقع على الجانب المصري.
کما تکررت صورا ولقطات للاجتماعات الطارئة التي يجريها الجانب الفرنسي، ولقطات للهدوء السائد في مطار شارل ديجول، وعمليات التحقيق مع الموظفين، وماکينات الفحص الأمني، مع إبراز سير حرکة الطائرات بشکل طبيعي، ولم تظهر لقطات لأهالي الضحايا في المطار الفرنسي کثيرا وکانت في معظمها لقطات قريبة ترکز على شخص واحد أو شخصين. ذلک إلى جانب توظيف اللقطات الأرشيفية لحادثة سقوط الطائرة الروسية على أرض سيناء وصور للحطام وبقايا متعلقات الرکاب وعمليات البحث والتحقيق، ولقطات لحادثة اختطاف الطائرة المصرية في شهر مارس، للتأکيد على فکرة أن الحادث هو الأخير في سلسلة حوادث عانى منها قطاع الطيران المصري في شهور قليلة.
وفي هذا الإطار تم الاستشهاد بالإحصاءات والأرقام في مرات عديد أثناء فترات التغطية، وذلک للحديث عن أعداد الرکاب وجنسياتهم، وعن معدلات تراجع أعداد السائحين إلى مصر في الفترة الأخيرة وعقب حادثة الطائرة الروسية، وأعداد المسافرين على طائرات مصر للطيران وبيان تقلص هذه الأعداد، وأعداد موظفي الأمن في مطار شارل ديجول وإحصاءات عن عمليات الفحص التي تتم هناک منذ وقوع الحوادث الإرهابية في فرنسا في 2015.

الكلمات الرئيسية