المعالجة الإعلامية للاغتيالات السياسية بعد ثورة 30 يونيو في القنوات الفضائية العربية

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

مدرس الإنتاج الإعلامي بالمعهد الدولي العالي للإعلام – أکاديمية الشروق.

المستخلص

تمتلک حوادث اغتيال الرموز السياسية من المنظور الإعلامي جاذبية ذاتية تدفع الجماهير للاهتمام بها، کما تستقطب وتدفع بالتالي وسائل الإعلام للانجذاب إليها وتغطيتها، فمثل هذه الحوادث تعتبر دراما کاملة تتضمن جميع العناصر الدرامية الضرورية: البطل والمکان والزمان والمفاجأة والتشويق والصراع، وهو ما جعل حادثة اغتيال النائب العام هشام برکات حدثا إعلاميا بامتياز رغم فداحته وتوابعه الأليمة.
إلا أن التغطية الإعلامية لمثل هذه الأحداث أصبحت موضع قلق الرأي العام والجهات الرسمية المعنية بمکافحة الإرهاب، وذلک في ظل الفوضى الإعلامية التي تشهدها القنوات الفضائية في تعاملها مع قضية الإرهاب، حيث أکدت الدراسات والبحوث حول ظاهرة الإرهاب أن التغطية الإعلامية العشوائية المتسارعة(غير المدروسة) لهذه الظاهرة تخدم بطريقة موازية أهداف الإرهابيين في تحقيق الشهرة الإعلامية لعملياتهم، فالعملية الإرهابية التي لا ترافقها تغطية إعلامية تعتبر بالنسبة للإرهابيين عملية فاشلة، لذا يسعى الإرهابيون إلى تسويق حجم الخسائر جراء الحادث الإرهابي، إضافة إلى خلق أجواء من الفوضى والترويع، وتعزيز فقدان الثقة في الجهاز الأمني.
لذا تعد هذه الدراسة محاولة لإلقاء الضوء على المشکلة التي تواجه القنوات الفضائية في التغطية الإعلامية للحوادث الإرهابية، خاصة تلک المتعلقة بحوادث اغتيال الرموز السياسية.
وتتحدد المشکلة البحثية في رصد وتحليل المعالجة الإعلامية (في القنوات الفضائية المصرية والعربية والموجهة باللغة العربية) لحوادث الاغتيالات السياسية بعد ثورة 30 يونيو بالتطبيق على حادثة اغتيال النائب العام هشام برکات، من خلال رصد مدى التوافق والاختلاف في أطر تقديم حادثة الاغتيال في هذه القنوات، بالإضافة إلى تقييم أداء الإعلاميين أثناء قيامهم بتغطية حادثة اغتيال النائب العام هشام برکات، وذلک من خلال الإجابة على التساؤلين:

کيف قدمت حادثة اغتيال النائب العام هشام برکات في وسائل الإعلام؟
إلى أي مدى نجح الإعلاميون في معالجتهم الإعلامية لحادثة اغتيال النائب العام هشام برکات؟

          وقد اعتمدت الدراسة الحالية على منهج دراسة الحالة، بالتطبيق على حادثة اغتيال النائب العام هشام برکات في الفترة من 29 يونيو 2015 إلى 4 يوليو 2015 (وهو تاريخ تفجيرات سيناء، حيث تحولت التغطية الإعلامية من متابعة حادثة الاغتيال وتداعياتها إلى تغطية حادث تفجيرات سيناء)، حيث تم اختيار عينة الدراسة التحليلية للقنوات الفضائية العربية وفقا لأسلوب العينة العمدية؛ وذلک لعمل مسح شامل للبرامج الحوارية التي تناولت حادثة اغتيال النائب العام في القنوات التالية:
-      أولا: الفضائيات المصرية، وهي: قناة النيل، وقناة صدى البلد، وقناة الحياة، وقناة دريم، وقناة سي بي سي اکسترا.
-      ثانيا: الفضائيات العربية، وهي: قناة العربية، وقناة سکاي نيوز عربية، وقناة الجزيرة.
-      ثالثا: الفضائيات الموجهة باللغة العربية، وهي: قناة الحرة، وقناة روسيا اليوم، وقناة فرانس 24، وقناة دوتش فيلله، وقناة يورونيوز.
وتمثلت أهم نتائج الدراسة التحليلية على النحو التالي:

الفکرة المحورية المسيطرة على المعالجة الإعلامية کانت "مسئولية جماعة الإخوان المسلمين عن الحادث" في المرتبة الأولى، تليها "المطالبة بتعديل القانون الجنائي"، بينما في القنوات الفضائية العربية (قناة الجزيرة بشکل خاص) جاء اتهام "الجهات الأمنية بالتقصير الأمني" في المرتبة الأولى.
تم معالجة 59% من الأفکار التي تناولت حادثة اغتيال النائب العام في إطار محدد رکز على تفاصيل حادثة الاغتيال، بالإضافة إلى مشهد جنازة الفقيد. بينما 41% من الأفکار تم معالجتها ضمن الإطار العام الذي تناول الجرائم الإرهابية سواء لجماعة الإخوان المسلمين أو لجماعات إرهابية أخرى، حيث تم استخدام إطار "المسئولية" في أغلب المعالجات الإعلامية للحادث، کما استخدم إطار "الجاني والضحية" من خلال وضع جماعة الإخوان المسلمين في إطار "الجاني" والدولة ومؤسساتها ورجال قضائها في إطار "الضحية"، وفي المرتبة الثالثة استخدم کل من: إطار "الصراع" من خلال التأکيد على فکرة صراع جماعة الإخوان المسلمين مع الدولة من أجل استرجاع سيطرتهم على السلطة، وإطار "الفشل أو الإخفاق" من خلال توجيه اللوم للسلطات الأمنية لإخفاقها في توفير الأمن والحماية لشخصية بقدر النائب العام.
استخدمت الأطر الإعلامية في 45.6% من الأفکار التي تناولت حادثة الاغتيال بغرض عرض تقييمات لحادث اغتيال النائب العام، وذلک على حساب استخدامها لاستعراض الأسباب أو استخدامها لطرح الحلول والنتائج، وتفسير هذه النتيجة في ضوء الفترة الزمنية للدراسة، والتي اهتمت بتحليل المعالجة الإعلامية للقنوات الفضائية فور وقوع حادثة اغتيال النائب العام، الأمر الذي أعطي مؤشرا بالغ الخطورة فيما يتعلق بعدم موضوعية القنوات الفضائية (موضع التحليل) في معالجتها للقضايا المتعلقة بالإرهاب، واستعجالها في إصدار الأحکام وطرح التقييمات على حساب طرح التفسير واستعراض أسباب الحادث، وقد انعکس هذا بالفعل على مستوى المعالجة الإعلامية التي بدت سطحية متعجلة قائمة على السرد (بنسبة 46.9%).
تعددت الاستراتيجيات الإقناعية المستخدمة في تغطية حادثة اغتيال النائب العام، والتي تمثلت في: "التحجيم والإبراز لوجهة نظر واحدة"، و"شخصنة الأحداث"، و"الإثارة والدراما والسرد الروائي للحدث"، و"توظيف اقتباسات المصادر بشکل غرضي"؛ حيث ظهر تأثير السياسة التحريرية والعلاقات السياسية للقناة على نوع الاستراتيجيات الإقناعية المستخدمة في عرض الحدث. فقد استخدمت القنوات الفضائية المصرية استراتيجية "شخصنة الأحداث" في المرتبة الأولى، بينما اختلف الأمر في القنوات الفضائية العربية والقنوات الفضائية الموجهة باللغة العربية؛ حيث استخدمت في المرتبة الأولى استراتيجية "الإبراز لوجهة نظر واحدة"، خاصة في قناة الجزيرة التي رکزت على وجهة النظر المتعلقة بکل من: الفشل الأمني لجهاز الشرطة، وعدم نزاهة القضاة لمطالبتهم بتعديل القانون.

الكلمات الرئيسية